الثورة كرسم في جراح الواقع

17 أوت, 2014

علي الرجال ملقيا كلمته في ندوة جريدة السفير في بيروت – تصوير محمد شرارة – المصدر: السفير العربي

 

عن الحلم لمصر عام 2054: أحلام الثورة وصراع البنية وعودة الألوان

النص الكامل لمقال علي الرجال المنشور بجريدة السفير العربي يوم 7 مايو 2014 على الرابط:

http://arabi.assafir.com/article.asp?aid=1833&refsite=arabi&reftype=articles&refzone=articles

علي الرجال

ربما تفتقد الثورة الآن الخيال، أو بالأحرى إمكانية الحلم. فالواقع ألقى بظلاله الكثيفة الكئيبة على طموحات الثورة وجموح الشباب وآمال الانتصار. فبعدما امتلأت ميادين مصر بألوان المستقبل واكتظت بشبابها، صارت الأرض مسرحاً لصراع “الآباء” حول بديلين ينتميان إلى السلطوية والاستبداد. وهكذا تبدلت ألوان الثورة المبهجة بعتمة الماضي وصراعاته، وحل ثقل الدولة وبطشها مكان أحلام الثورة وخفتها. وبدلاً من أصوات هتافات المستقبل وضجيجها، طغت أصوات القنابل ودانات المدافع وطلقات الرصاص. وربما صار الحلم شططا وجموحا في الخيال ومضياً في المستحيل.

.

كيف يمكن أن نتخيل مصر 2054؟ في البدء دعونا نقف على أرض الحاضر لننطلق إلى المستقبل. فالثورة ما هي إلا إعادة تخيّل للواقع، رسم جديد في جراح الحاضر وفتح لباب الخيال والحلم على بؤس اللحظة الراهنة، قطيعة مع تاريخ مضى، وقفز إلى مجهول يأتي، ومعركة مع اللايقين باللايقين.

 .

مصر من شرفة القطار

كيف يبدو مشهد الوادي من شرفة القطار؟ لعل أول أمر لافت للنظر هو مقالب القمامة المنتشرة على طول الوادي، سواء كنت مسافراً من الإسكندرية إلى القاهرة أم من القاهرة إلى أعماق الصعيد. ثم يأتي قبح واتساخ المعمار. والمشترك بين القاهرة ومحافظات الدلتا والصعيد هو عدم اكتمال طلاء البنايات، حيث تكون واجهاتها فقط هي الملونة وبقية المسطحات تبقى على الطوب الأحمر. كما يلاحظ غير المختص بالمعمار والتخطيط العشوائية اللامتناهية الممتدة عبر الوادي من شماله لجنوبه. ولو كنت من تعساء الحظ، أي من ركاب “التيرسو” (الدرجة الثالثة أو ما يسمى القطار المميز)، فالقبح والاتساخ سيلاحقك من الخارج والداخل، كما ستهب عليك رائحة حمامات القطار من حين لآخر لتذكرك بعفن الدولة وفشلها من ناحية، وبؤس حالة الإنسان المصري وحصاره وحَساره من ناحية أخرى. فالبنية القبيحة ستكون هى العالم بالنسبة لك حتى تنتهي من الطريق فتدخل في أحادية من القبح بدلاً من شعورك بمضاعفته.

.

أما لو كنت أكثر حظاً، من ركاب الدرجة الثانية مثلاً، فسترحم من رائحة الحمامات وسيكون الوضع داخل القطار أفضل حالا بكثير، كما سترحم من هبات التراب أو المطر في ليالي الشتاء. وإن كنت أكثر حظاً وكنت من ركاب الدرجة الأولى، فستشاهد هذا القبح من كرسيك الأكثر اتساعا وراحة. ولا يعكر صفو هذا القبح الممتد على ضفاف النهر سوى لحظات من الانقطاع، حيث يتداخل خضار الدلتا في الرؤية أو يقطع النيل صدر هذا العمران المتوحش ليعطي نفسا وحسا بالجمال. وهو ما ينم عن أن ما بقي جميلاً في هذا البلد هو فقط ما لم تمتد يد الدولة أو المجتمع إليه وبقي على حاله. وهذا صلب مشكلة التخيل وعمل الخيال. كيف نتخيل مصر بعيداً عن بطش الدولة وهيمنتها وبعيداً عن العشوائية والتخبط والزحف الاستباحي للمكان وللجمال من قبل الشبكات الزبونية في المجتمع؟ ببساطة إنها إمكانية للإبداع، لعودة الألوان، لأشكال أخرى من التنظيم والتخطيط، خيال جديد لإعادة تصور المدينة وموقع الإنسان فيها، مساحات أكثر رحابة بعيداً عن توحش النيوليبرالية واستيلائها على المدينة بل اجتياحها، الخروج من ثنائية الدولة والعشوائية.

 .

الهزيمة وبؤس الدولة وعشوائية الانفتاح

منذ خمسينيات القرن الماضي هيمنت الدولة على المجال العام بالكلية، حيث أصبحت المسؤول الأول والأوحد عن التنظيم والتخطيط والتشييد والبناء والتصور والخيال. والأهم هو هيمنتها على الجدل والنقاش العام وما هو مسموح الحديث فيه. فالطموح الناصري تجسد في دولة قوية وباطشة تقود عملية التحرر والاستقلال الوطني، ومثُل لها الاختلاف والتنوع كقيم للانشقاق والتفكك. والحرية فقط في ربوع تلك الدولة ومن خلالها، مثلما عبرت أغنية عبد الحليم الشهيرة: “صورنا صورنا يا جمال، واللي هيبعد م الميدان اللي هيبعد م الميدان عمره ماهيبان (أي يظهر) في الصورة”. كل ما هو خارج هذا الكادر هو هامش مهمش. فالصورة هي فقط كل ما يلتف حول الزعيم. وبالفعل التف كل عمل وإبداع حول الدولة ومن خلالها، وحول جسد الزعيم وما يملأه من حيز في الوجدان والواقع. واتسمت مصر بمركزية واستبداد مفرطين في التوحش والهيمنة. وهكذا انسحب هذا على المعمار حيث انتشر طراز الواقعية الاشتراكية الذي يجسده في قلب ومركز المركزية، مبنى “مجمع التحرير” رمز البيروقراطية المصرية وأكبر ساحة لتعذيب المصريين وإذلالهم بعد السجون وأقسام الشرطة. وفي الفن والأدب هيمنت الدولة على عمليتي الإنتاج والتخيل، ولكن هذا لم يمنع وجود قدر كبير من الزخم والتشجيع على العمل، فانتشرت أعمال الترجمة والصحافة والسينما، على الرغم من ضيق مساحات الحرية المتاحة، واكتسبت مركزية كبيرة في العالم العربي حيث كانت مصر مركز الصراع والقيادة، وهكذا أيضاً كانت القاهرة مركزاً للثقافة وكعبة للعرب على مستوى السياسة، وجامعات مصر على مستوى التعليم.

.

ثم تلقى الزعيم ودولته الضربة القاصمة في 1967. فالجيش ليس وحده من هزم، بل هو مشروع بأكمله، وزعيم بآماله ودولة مترهلة ومثخنة بالجراح والأعباء، ومجتمع غير قادر على التنظيم أو تجاوز الدولة. هكذا كنا وإلى هذا صرنا. ومع تلك الهزيمة، لم تعد الدولة قادرة على الإقناع ولا على السيطرة الحقيقية على المجتمع. ولأنها ألصقت المجتمع بها وغللته حولها، انحط هو الآخر مع تلك الضربة القاصمة. إلا أن الدولة ظلت محتفظة بأمرين في الهيمنة: السيادة على القرار، وهو صلب تعريف “كارل شميت” للدولة، والتصاق قطاعات كبيرة من المجتمع بها سواء وجدانياً أو مادياً من خلال جهازها البيروقراطي الضخم وشبكات الفساد والزبونية وسيطرتها على أدوات القمع والإرهاب. ثم منذ عام 2000، برزت شبكة رجال الأعمال النيوليبراليين. وليس مصادفة أن ينهار كل من الفن والدولة معاً بعد الهزيمة، فتنتشر أفلام أقرب للـ”بورنو” في فترة ما بعد النكسة وصولاً لأفلام المقاولات التي صحبت فترة الانفتاح.

.

فالانفتاح جاء في حقيقة الأمر ليعبّر عن الهزيمة وإعلان مرحلة جديدة من فشل الدولة وتركها للناس ليصرفوا أمورهم، عن طريق تشجيع الدولة للاستباحة، وما عرف وقتها “بالتهليب”، ورفع يدها عن التخطيط. وفي تلك الفترة، تجاور قبح وفشل الدولة في المعمار والتنمية مع الزحف العشوائي للسكان ولجماعات المصالح و”التهليب”، وظهرت أمراض مثل الاستيلاء على الأراضي، المعمار غير المكتمل، توحش النزعة الاستهلاكية، الجموح نحو الاقتصاد الخدمي… ثم جاءت حقبة مبارك لتزيد الطين بلة. فهي كانت حقبة استكمال الاستباحة العامة مع قبضة أمنية حديدية للشرطة، ولكنها مصحوبة بترهل وانتقائية في تطبيق القانون. ولأن الدولة والنظام السياسي أرادا مد الأمر على استقامته، جاءت حقبة التسعينيات تنجز مشروع الخصخصة بتوحش، ثم منذ 2000 بدأ الدخول في نمط نيوليبرالي يشجع على الاحتكار وتشجيع الاستثمار الخارجي الذي اتسم هو الآخر باستباحة البيئة والإنسان والموارد، ولعل أبرز مثل لهذا هو تكاثر مصانع الاسمنت الملوثة للبيئة ونمو الاستثمارات الخدمية والعقارية. المثير في الأمر، هو أن الدولة ظلت محتفظة بقدرة كبيرة على إعاقة التنمية والابداع، فهي سمحت أو تغاضت عن العشوائية والاستباحة لكنها منعت أي محاولة للتنمية والاستثمار المحلي الجاد. فمثلاً تمنع الدولة أهالي سيناء من الاستثمار الزراعي النوعي في الشمال والوسط والمناطق الحدودية، كما تعرقل البيرقراطية ومنظومة الفساد أية استثمارات صغيرة جادة ومنتجة.

.

والمشهد ببساطة يتجسد في المواصلات والانتخابات. فعلى صعيد النقل والمواصلات، فإما أن ترضخ لزحام وقلة وسائل النقل الحكومي وتقبل بقذارته وخرابه وما يمثله من جحيم محقق على الأرض، وإما أن ترضخ لتوحش واستغلال وعشوائية الميكروباصات الخاصة و”التكاتِك”. وعلى صعيد الانتخابات: فإما الحزب الوطني وهو يمثل كل من الدولة وشبكات المصالح والفساد وعلاقات زبونية صريحة، وهيمنة رأس المال الأكثر وضوحاً منذ 2005، أو أن تقبل بالتيار الإسلامي ممثلاً أيضاً لسلطوية قيمية ومجسداً لمصالح وشبكات زبونية ورأسمالية. وهكذا الحال مع الصحة والتعليم، فإما خرابات وزارة الصحة التي يتقلص عدد مستشفياتها وهي تعتمد على مجموعة من المستشفيات التي أُنشئت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، أو مرحباً بك في سوق المرضى في القطاع الخاص، أو أن تصرف أمورك من خلال المستوصفات الخيرية المنتشرة في المناطق والاحياء الفقيرة.

 . 

الثورة والألوان

جاءت الثورة لتحدث قطيعة مع أحادية اللون تلك. فالميدان وشوراع الثورة تميزت بالتعدد والتنوع. جاءت لتضيف قيماً جديدة في احترام الجسد والمساحة العامة، بل يمكن الدفع بأن حركة الثورة تدور حول الجسد واحترامه وعدم مهانته وحول استعادة الفضاء والمجال العامين من سطوة الدولة. كما جاءت كاسرة لثنائية الإسلاميين / والحزب الوطني والعسكر. وعلى الرغم من الانتكاسة الحالية للثورة، فإن تلك الثنائية قد تهلهلت. ومن غير المتوقع أن تنكسر ثنائية وهيمنة عاشتا وتوغلتا لعقود في سنوات قليلة، حيث من الطبيعي أن يحصل تأرجح بين العسكر والإخوان، وبين شبكاتهما الزبونية. فتلك مثلت بنية المجتمع القديم الراسخة، كما مثلت قيماً مغرقة في الرجعية والمحافظة والاستبداد. انطلقت الثورة من تنظيمات شبكية معادية لتراتبية السلطة وهيمنة البنية على القيمة والفرد، كما هي تحاول الحفاظ على التعدد الهوياتي، أي أنها تفاوض الهويات في صراع بناء غير قائم على نفي وجود الآخر والاستحواذ والهيمنة. وكان هذا أحد أهم خطوط المعركة مع الإسلاميين وجماعة الإخوان المسلمين. وعبرت معارك الثورة عن خمسة خطوط من الصدام والتفكيك لمنظومة السلطة وهي:1- التنوع والتعدد 2- الجسد وتفكيك منظومة الأمن القديمة 3- المجال والفضاء العام وإعادة صوغها بما يتناسب مع تطلعات الحرية والانعتاق 4- المرأة وحق الوجود والمساواة وعدم انتهاك حقوقها في المجالين العام والخاص 5- العدالة الاجتماعية ونمط جديد من الإنتاج بما يواكب التحرر والتقدم الاقتصادي وبناء منظومة جديدة للعدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة.

. 

الثورة والمجتمع: عن الحركة البندولية للتمدد الثوري

والمتابع لحركة الثورة والمجتمع في مصر سيجد علاقة واضحة بين الحركات الثورية والفنية والفكرية وبين الميدان والفعل الثوري. فتلك الشبكات تتواصل وتتشابك في حركة ممتدة من الإبداع والتجديد يتجلى في توسع الأعمال الفنية المستقلة: فرق الغناء الجديدة، وزخم شديد في حركات المجتمع المدني والتنمية، الأفلام القصيرة والحملات، محاولات السينما المستقلة والمسرح، الحركات الاجتماعية الجديدة بما فيها المطالب الفئوية، مجموعات من الكتاب والصحافيين يحاولون تقديم جديد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى من خلال مواقع الصحف الرئيسية مثل بوابة الشروق والمصري اليوم، حيث يُقدم نوع آخر من الصحافة والكتابة أكثر استقلالية وحرية وإبداعاً. والعلاقة التي أتحدث عنها هى تلاقي وحشد عام في الميادين والشوارع، ثم انتشار “للميدان” وقيم الثورة في الأنسجة الاجتماعية والحركات بمختلف أشكالها. أي أن هناك حركة ما بين الحشد الجماهيري الواسع وبين تلك الخلايا والشبكات. فهناك حركة “بندولية” (كرقاص ساعة الحائط) بين الحركات وما تمثله في أنسجة المجتمع، والثورة والفعل الاحتشادي. وبالتالي فالثورة لا تكون في حالة انحسار أو انكسار حينما تغيب عن الميدان، بل ينتشر الميدان ويتمدد في الأنسجة الاجتماعية ويتجلى في أشكال وأنماط أخرى من الانتاج والعمل الفني والأدبي والحقوقي والمطلبي الفئوي، حتى لو بدا في الأخير محدود النطاق والسقف.

.

إن الأعوام المقبلة ما هي إلا صراع بين منظومة السلطة وتجليات الثورة. ومن ثمّ فتوقع المستقبل مرهون بأمرين: استمرار كامل للتعفن وهيمنة الدولة وشبكات الفساد، أو أنماط جديدة من التنظيم المجتمعي وتجليات في المعمار والتنمية والتنوع والتمدد بشكل مفارِق لسطوة الدولة وعشوائية الفساد واستباحته. أي حينما ستركب القطار يمتد بصرك ويتطلع باتجاه مزيد من الألوان والجمال في المعمار والتنظيم. وربما مقعد نظيف ومتسع في حافلات الدولة، وعلاج آمن ومحترم للجميع. وربما فتيات في مقتبل العمر بتنانير قصيرة من دون أن يخشين على أنفسهن من الانتهاك والاستباحة.


عن مترو الزمالك .. عن كفر عبده والزعربانة

29 جانفي, 2014
من صفحة الزمالك تنتفض على موقع فيسبوك

من صفحة الزمالك تنتفض على موقع فيسبوك

مقال منشور على موقع مصر العربية بتاريخ 7 يناير 2014 على الرابط

http://goo.gl/46zEXV

كتب: إسماعيل الإسكندراني

 

بعيداً عن اختزال مشهد “انتفاضة الزمالك” ضد موقع إنشاء محطة مترو أنفاق بجزيرة النخبة في صراع بين السلطة وبين سكان لهم مطالب، تم تحويله إلى حرب دعائية سوداء عبر وسائل الإعلام الجماهيري، فإن الصراع حول محطة مترو الزمالك كاشف لكثير من المواقف المركبة التي تمخض عنها المشهد الاجتماعي السياسي عقب يناير 2011.

 

بدأ الاعتراض على الموقع الذي اختارته الهيئة الحكومية لإنشاء محطة على الخط الثالث داخل المربع السكني (شارع إسماعيل محمد)، وثار الأمر في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بأن طبقة الهوانم والباشوات ترفض وسيلة المواصلات التي ستحول جزيرتهم إلى مرتع للغلابة.

 

ليس جديداً على السلطة في مصر أن تشتبك معنوياً مع خصومها عبر دعاية غير صادقة تفتح باب المزايدة والتهكم. وليس جديداً على الأصوات الصاخبة أن تدعو عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى فاعليات استهزائية، لعل آخرها الدعوة “للتبول الجماعي” في الزمالك اعتراضاً على طبقية ساكنيها ونزعاتهم الطبقية. وكأن لا طريق ثالثاً بين نخبوية فيفي هانم وشعبوية شعبولا، وكأن الثورية مقترنة بالاندفاع العاطفي دون تقصي للحقائق والمعلومات، فتكتب المقالات على مواقع بعض المجموعات الثورية مبتسرة وناقصة.

 

(2)

 

كنا في الإسكندرية عندما نتجادل عن محددات الطبقة الاجتماعية، أي عن العناصر التي يتحدد على ضوئها موقع الفرد/الأسرة من الطبقات الاجتماعية المختلفة، يدور الحوار بنا حول التعليم والمهنة ومستوى الدخل والمكانة الاجتماعية. لم يلتفت منا أحد إلى أهمية الحي السكني كمحدد طبقي إلا صديق من عائلة ذات أصول ريفية ونشأة مدينية مزدوجة بين القاهرة والإسكندرية.

 

أزعم أن وعي الصديق علي الرجّال بهذه الزاوية الطبقية وليد منزل جده لأبيه المطل على قبة البرلمان في شارع الفلكي بوسط القاهرة، وليس وليد منزل جدته لأمه في “زيزينيا”، ولا منزل أسرته القريب من شارع سوريا في منطقة “رشدي” القريبة من البحر.

 

على عكس ما يوحي اسمها، تعد منطقة “كفر عبده” أرقى مناطق الإسكندرية بالمفهوم النخبوي. فموقع المركز الثقافي البريطاني والقليل مما تبقى من منازل الدبلوماسيين ونخبة السلطة فيها لا يزال يشهد على الزمن الذي احتلت فيه السفارات والقنصليات مواقعها في مدينة الثغر قبل أن تنتقل إلى العاصمة السياسية، وقت أن كانت مياه البحر المتوسط، لا سماؤه، هي وسيلة الاتصال الأساسية بين مصر وأوروبا. غني عن الذكر أن الإسكندرية كانت العاصمة التجارية لمصر حتى وقت غير بعيد، ولا يزال المقر الصيفي لرئاسة مجلس الوزارء في منطقة “فلمنج” شاهداً على إدارة شؤون البلاد جزئياً منه حتى آخر حكومات مبارك.

 

لا يفصل محطة “الوزارة” عن “باكوس” الشعبية سوى محطتين من الترام الأزرق، الذي يخترق شارع أبي قير ليعود منضماً إلى الخط الآخر الذي ينطلق من جوار مدرسة “كلية فيكتوريا” ملتزماً بالمرور على محطات “رمل الإسكندرية” النخبوية (السرايا أو شارع الإقبال – ثروت – لوران – سان ستيفانو – زيزينيا – الفنون الجميلة – جليم – سابا باشا – الهداية – بولكلي)، ثم ينطلقا سوياً إلى “مصطفى كامل” ليفترقا من جديد ويلتقيا عن بوابة النادي السكندري الأعرق في النخبوية “سبورتنج”، ومنه إلى “محطة الرمل”، نهاية الخط.

 

أما كفر عبده، التي لا يدخلها الترام الأزرق، أو أي من وسائل النقل العام، فلا يفصلها عن سوق “الزعربانة” سوى شارع واحد. وهو أول حدود منطقة “الظاهرية”، حيث يتضح التباين العمراني والثقافي من العنوان، “الزِعْرِبانة”!

 

لا يرى “كفر عبده” البحر، كما لم تره منطقة القصور والبيوت التراثية القديمة/البائدة في حي “محرم بك”. ولم يكن الرقي الذي وُصِفا به، أو اتصفا به فعلاً، جنباً إلى جنب مع “وابور المياه” مرتبطاً بكونهم من مناطق الترام الأزرق، فمحرم بك هي عاصمة الترام الأصفر (الشعبي)، وهي التي تتوسط “محطة مصر” و”الحضرة” و”الغيط الصعيدي” و”غيط العنب” و”ترعة المحمودية”.

 

يرى الصديق محمود العدوي، الناشط التنموي القاهري، أن أهم ما يميز الإسكندرية اجتماعياً عدم وجود فواصل طبيعية أو صناعية بين أحيائها المتفاوتة اقتصادياً وعمرانياً، فلا يوجد بالإسكندرية جزر طبقية كما في القاهرة. فحي “سموحة”، منطقة الصاعدين طبقياً المتباهين بأموالهم واستهلاكهم وعضويتهم الحديثة في ناديها، تبدأ من “عزبة سعد” ناحية “الحضرة” وتنتهي بـ “حجر النواتية”، القريبة من “أبي سليمان”. أما “جليم” فهي ملاصقة تقريباً لـ “باكوس”، و”لوران” على مرمى حجر من “الرمل الميري”. ويمكنك أن تعمم هذا على أغلب أحياء الإسكندرية الموسومة بالرقي، قبل زحف الفساد الأسمنتي.

 

(3)

 

ذات مساء ربيعي معتدل الطقس، جلسنا في “فراندا” منزل جده في الطابق السادس. كان ظهري إلى قبة البرلمان، في حين جلس صديقي بيني وبين مكتب الفقيه الدستوري الراحل، واضع دستور المملكة التونسية والحائز على الباشوية من ملكها القديم. تطاير دخان التجلّي فوق رأسه وهو يتأمل في آثار انتقال الحكم من القلعة (باب الباشا) إلى قصر عابدين في عهد الخديوي إسماعيل.

 

كادت الألوان حولنا أن تختفي لصالح الأبيض والأسود اللذيْن تسربا إلينا في مشهد ملهم لكتاب السيناريو والروائيين التاريخيين. فلم يعد صعباً علينا أن ننفصل عن واقع وسط البلد وأحيائه المحيطة في 2013 لنتخيل الفراغ الذي بُني فيه قصر عابدين ودواوين الحكومة، القائمة بمبانيها وأدوارها الوظيفية حتى الآن منذ القرن التاسع عشر، في ذلك الوقت الغابر الذي الذي استعان الخديوي فيه بجورج هاوسمان، معماري باريس الحديثة، ليؤسس حي وسط القاهرة “الأوروبي”. في هذه الفترة، بدأت الجذور الطبقية-العمرانية في التبلور، حيث احتلت طبقة الحكم مدينة الحدائق، “جاردن سيتي”، التي كانت مهجورة سكانياً (أي والله، كانت مهجورة ولم تكن في عراقة الأحياء الشعبية القديمة!)

 

لجزيرة الزمالك، جمع “زُمْلك”، أصل أقدم. يعود للباشا الألباني الأصل، مؤسس الدولة العسكرية المركزية في مصر، محمد علي. ليس المقال في مقام البحث عن معنى “الزملك” بالتركية، أو سياق إطلاق الاسم على الجزيرة التي كان لها “عُمدة” حتى وقت قريب. الأكيد أن الزمالك “جزيرة”، والراجح أن هناك من يريدها منعزلة، أو قليلة الاختلاط، قدر الإمكان.

 

(4)

 

تتيح حدود “كفر عبده”، المفتوحة على سوق “الزعربانة” من ناحية، وعلى حي “مصطفى كامل” الأقل نخبوية من الناحية الأخرى، لكل من سكانها وجيرانها حرية الانتساب لحي “الصفوة” أو التبرؤ من منطقة “الفرافير” و”الشباب السيس”، بحسب السياق. فصديقي المولود أباً عن جد في “كفر عبده” يعلن أمام أصدقائه على المقاهي الشعبية في وسط إسكندرية أنه من “مصطفى كامل”، هارباً من الصورة النمطية السائدة عن أبناء “كفر عبده”. غيره كثيرون ممن لا يكفيهم شارع “ونجد” لإشباع غرائزهم في الانتماء الطبقي النخبوي يدّعون أنهم من “كفر عبده” مراهنين على الجهل الجغرافي للمستمع بهذه المنطقة “المنفّدة على بعضها” من الداخل.

 

ابن الزمالك الثائر على نخبويتها وطبقية الكثير من قاطنيها يستطيع أن يغير من هيئة ملبسه، ونبرة صوته، ومفردات خطابه، وسلوكياته، بل منظومته القيمية بالكامل، لكنه لن يستطيع الفكاك من أسر الانتساب إلى “جزيرة الزمالك”، وما يرافقها من إدراك للذات الطبقية وللفروق بينه وبين جيرانه سكان الضفة الشرقية للنيل، “بولاق أبو العلا”. لن يمكنه التحرر من الصور النمطية السائدة – سواء كانت إيجابية أم سلبية – لدى المستمع حين يعرف أن صاحبنا مولود في الزمالك لأسرة لا تعمل في الخدمة، بل لديها من يخدمها – غالباً. فلا فكاك، إذن، من “هوية طبقية”.

 

قبل إنشاء جامعة “فاروس” الخاصة، لم يكن في الإسكندرية سوى جامعة واحدة. “المشروع” (الميكروباص) في الإسكندرية على درجة كافية من الآدمية، حتى الآن، تجعله خياراً مناسباً لأغلب سكان المدينة من طبقاتها المختلفة. يحمل الترام الأزرق أو “المشروع” طلاب الجامعة متفاوتي الانتماء الطبقي ليجمعهم مدرج واحد، ومعمل واحد، و”كافيتيريا” واحدة. وحتى وقت قريب، كان للجميع فرصة متساوية للنزول في شاطيء واحد، أو شاطئين متلاصقيْن، كما التمشية على كورنيش واحد، أو في شارع “سينما لاجيتيه” واحد، أو في محطة رمل واحدة. لم تعرف الإسكندرية وجود جامعة أمريكية يذهب إليها أبناء “كفر عبده” بسياراتهم الخاصة، حتى لو كان لهم قبل الجامعة مدارس لا يرتادها أغلب سكان المدينة.

 

نتعب كثيراً في شرح عشقنا للإسكندرية لأصدقائنا القاهريين الذين يظنون أن الهوس بــ “مدينة الرب” صنيع مسلسلات أسامة أنور عكاشة أو وليد مبالغات يوسف زيدان. في حين أني، على المستوى الشخصي، لم أهتم مطلقاً بالحديث عن انتمائي الطبقي وحراكي الصاعد من الفقر إلى توسط الحال إلا في المجتمع القاهري ذي الوعي الطبقي العالي، بل المركزي في كثير من الأحيان. أشكر للإسكندرية، كما عرفتها، لا كما يجري اغتصابها عمرانياً الآن، أنها لم تفرق بين ابن “الورديان” وابن “ميامي”، أو بين ابن “كرموز” وابن “الإبراهيمية”، فلم نسمع أبداً عن شخص رُفض في وظيفة ما لمجرد أنه من سكان منطقة بعينها في الإسكندرية، كما يحدث ويتكرر في عاصمة القهر.

 

(5)

 

لا يمكنني أن أنسى الابتكار في “التسول النهري” حين سهرت مع زوجتي ليلة عقد زواجنا على ضفاف فندق “سوفيتيل الزمالك”، كاستثناء برجوازي يليق بهذه الليلة الفريدة. أتت إلينا المتسولة بقاربها ومجدافيْها ومعها طفلها تستجدي منا القروش بعبارات الدعاء للباشا والهانم.

 

خلف قاربها اليدوي المصنوع غالباً لأغراض الصيد، اقترب قارب ترفيهي أكبر حجماً يسير بمحرك يعمل بالسولار مخصص للجولات النيلية والحفلات الشعبية. بدا سلوك القارب الترفيهي متعمداً لإزعاج نزلاء الفندق الفاخر ورواد مطعمه الباهظ بالموسيقا الشعبية الصاخبة. تكررت ملاحظتي خلال فترة إقامتي القصيرة بجزيرة الزمالك، فسمعت من شرفتي بالطابق السابع في عمارة مقهى “كوستا”، بتقاطع شارعيْ أحمد حشمت مع محمد المرعشلي، العديد من هذه القوارب المقتربة من الجزيرة كي تلقي بالضوضاء على سكانها قبل أن تعود لمرساها ناحية كوبري أكتوبر قبالة مقر الحزب الوطني المحروق. أرجح التعمد، لا العفوية، وأراه شكلاً من أشكال الاحتجاج الطبقي الصامت الصاخب.

 

“إذا استطاعوا أن يغضوا أبصارهم عن وجودنا، فلن يستطيعوا إغلاق آذانهم عن سماع ضوضائنا” هذه هي العبارة التي تخيلتني أسمعها من أحدهم/إحداهن. الرسالة وصلت.

 

(6)

 

وقف شباب لجان “البوليس الشعبي” في شارع “ونجد” في الأيام الأولى من الثورة يستوقفون من يشتبهون فيهم من ذوي “الأشكال الغلط” ويسلمونهم لقوات الجيش. كان لزاماً على محمد إبراهيم، العائد من المستشفى الأميري حيث ترقد أمه في احتياج للتبرع بالدم، أن يسلك شارع “ونجد” ليدخل إلى شارعه في منطقة “الظاهرية” من حيث أتى من ناحية شارع “أبي قير”. لم يعجبهم شكله، ولم يقنعهم سبب مرور “واحد من الظاهرية” في شارعهم الموقر. مزقوا ما يثبت سبب خرقه لحظر التجوال وسلموه لقوات الجيش، مع عدد آخر ممن لم تعجبهم أشكالهم أو هيئاتهم أو طريقة كلامهم من سكان “الظاهرية” العابرين اضطراراً من الشارع النخبوي المذكور.

 

قضى محمد إبراهيم، مع آخرين التقيتهم في فبراير 2011، أحلك لحظات حياتهم طيلة أسبوعين بين سجن أبي قير العسكري والمنطقة الشمالية العسكرية وسجن الحضرة، وكتب لهم عمر جديد بخلع مبارك. أطلق سراحهم في الشارع بملابسهم الداخلية عقب التنحي بيوم واحد، وانطلقوا مذهولين في حالة هيستيرية غير مصدقين أنهم أحرار.

 

في الزمالك، كان للمصور والمخرج سمير عِشرة تجربة مؤلمة مشابهة جداً. الفرق الجوهري بين التجربتين أن سائق سيارة الأجرة الذي دخل إلى الزمالك  أثناء توصيل سمير وصديقه كريم كان لديه خيارات أخرى للعبور من القاهرة إلى الجيزة متجنباً الجزيرة، في حين أن ساكن “الظاهرية” القادم من شارع “أبي قير” ليس أمامه سوى الدخول إلى شارع “ونجد”.

 

الجزيرة ليست معزولة بالمعني الميكانيكي، فثلاثة جسور ومحطة مترو أنفاق على الخط الثاني كافية لتحقيق التواصل بينها وبين ضفتي النيل، في القاهرة شرقاً والجيزة غرباً. لكن ما لمسته، مراراً وتكراراً، أن العزلة المعنوية والنفسية المحيطة بالزمالك حقيقية وليست متوهمة. تظهر في تفضيلات سائق التاكسي والعمالة المساعدة في الأشغال المنزلية، كما تظهر في اعتزاز مواليد الزمالك بكونهم ليسوا من الوافدين إليها حديثاً، وبمعرفتهم الدقيقة بتفاصيل الجزيرة التي يعتبرون الخبرة بدقائقها علامة أصالة في الذاكرة الشخصية والعائلية.

 

(6)

 

أين يذهب أثرياء الزمالك أو الهاربون من زحامها؟ يذهبون إلى التجمعات السكنية الأكثر تطرفاً في النخبوية والطبقية على أطراف القاهرة الكبرى، كما يفعل أقرانهم في الإسكندرية الهاربون من الأحياء الموسومة بالرقي إلى تجمعات غرب إسكندرية و”جيتوهات” كنج مريوط. هناك، يستبدل الحاجز المائي الطبيعي المحيط بجزيرة الزمالك النيلية بأسوار وبوابات لا يجتازها إلا حامل بطاقة تميزه عن غيره. ولا عجب أنهما يلتقيان في مصايف ومنتجعات شتوية تجمعهما سوياً بطابعها الانعزالي التمييزي، مع بعض الخدم والعمال.

 

القاهرة والإسكندرية، معاً، في مصر. إي والله! فليس المقصد أن أعقد مقارنة سطحية تظهر فيها الإسكندرية كعروس البحر المتوسط المتشحة بملاءتها السوداء، المتبخترة بخلخالها الذهبي، التي تغتاظ منها الولية الحيزبون، “اللي ما تتسمى”، القاهرة. في الحقيقة، يتم اغتصاب عروس المتوسط أسمنتياً. ويتم السطو على مقتنياتها الأثرية والتراثية جهاراً نهاراً، ويتم الفتك بمساحاتها الخضراء على عينك يا مقاول.

 

المساواة في الظلم افترا، ولا تمت للعدل بصلة. فلست من دعاة إلحاق الخراب بالجميع استجابة لهلاوس شيوعية مطلقة. وبالتأكيد، أحرص على فيلا المعهد السويسري بالزمالك، أطال الله بقاءها، كحرصي على قصر فيكتور عمانويل في محرم بك، رحمه الله. وليس المقام هنا لتفاضل جهوي أو تنافس زائف بين إسكندرية وقاهرة.

 

(7)

 

الدعاية السوداء والوصم الاجتماعي والاختزال مرفوض. وكذلك نكران البعد الطبقي في حراك سكان الزمالك. لنكون أكثر صراحة، دعونا نتحدث عن الجانب الطبقي بوضوح لنعالجه ونتفهمه، ذلك أفضل من إنكاره.

 

قد تأتي المصارحة بغير المتوقع، فنكتشف أن الذين انساقوا للنداءات الشعبوية ضد “انتفاضة الزمالك” أكثر حساسية طبقياً “من تحت إلى أعلى” من أؤلئك الطبقيين “من فوق إلى أسفل”، وفق تعبير إحدى أعضاء جمعية “تنمية خدمات الزمالك” في مكالمة هاتفية معها لاستيضاح حقيقة الأحداث.

 

دعونا نتصارح بالتخوفات المشروعة من التحرش الجنسي، ولماذا ارتبط هذا التخوف بالطبقات الشعبية الأدنى. هل لأن سكان الزمالك شبعانين جنسياً أو يتمتعون بالحرية داخل عقاراتهم التي لا يجرؤ على التطفل عليهم فيها حراس البوابات أو الجيران؟ هل هذا تسليم ضمني بأن التحرش سببه الحرمان؟

 

دعونا نسبر أغوار خطاب أعضاء صفحات “الزمالك تنتفض” و”لا للمترو” على “فيسبوك” ونرى كيف يرون ذكرياتهم في طيات حسراتهم على المنازل الأثرية والتراثية المهدومة. لماذا اهتم صاحب صورة تتحدث عن “برج فودة” الذي احتل مكان The Red Court بتخوفات والده من اعتداء عمال البناء عليه لأنه كان وسيماً و”ذا شعر”، كما قال عن نفسه؟

 

أين يقع الخط الفاصل بين الطبقية النخبوية المتذرعة بأدبيات العمران حول الشخصية المميزة لمناطق الاجتماع الحضري/المديني وبين الاقتناع غير النخبوي بهذه الأدبيات وما يصحبه من خوف على الذاكرة الجمعية أن تمحى؟

 

أو دعونا نتساءل عن مقلوب ما سبق، عن الحد الفاصل بين الدفاع عن أنماط عمران واجتماع الفقراء من منظور إنساني عطائي يطالب الدولة والمجتمع الكبير بمساندة المجتمعات المحلية الكادحة/المهمشة تخطيطاً وتنظيماً وتمويلاً وتنميةً، وبين الحرص على الإبقاء على الأحوال المزرية كما هي من منظور نخبوي أناني للحفاظ على مساحة معتادة للعمل الخيري والصورة الفوتوغرافية الإنسانية والمآسي الدرامية، وكل هذه “الصعبانيات”؟

 

نشاط جمعية “تنمية خدمات الزمالك” أوسع من قضية محطة المترو، هذه حقيقة. لكن تجاوب قطاع مهم من السكان مع هذه القضية تحديداً أكبر من تجاوبهم مع غيرها، هذه حقيقة أخرى.

 

بعض الناشطين في حملة “لا للمترو” من مؤسسي حملة “أحياء بالاسم فقط”، ولهم أدوار مشرفة مع أهالي “رملة بولاق” وغيرها من مساحات حضرية غير منظمة يقطنها الفقراء والطرف الأضعف في المجتمع القاهري وغير القاهري، هذه حقيقة ثالثة. لكن نتيجة ضغط سكان الزمالك أتى بنتيجة وقائية دون الاحتياج للتدخل القضائي العلاجي، هذه حقيقة محتملة تستحق التأمل.

 

قضية محطة المترو بها جوانب متعلقة بالفساد واستغفال السلطة للمواطنين فيما يخص حقوقهم المنصوص عليها في القوانين والتعاقدات الرسمية وتعمّد تضليلهم بالتفاصيل الفنية الكثيرة، كلها حقائق. لكن لماذا تمسك سكان الزمالك بالنص على اشتراط موافقة السكان في سياسة الجهة المانحة لمشروع خط المترو الثالث، وبنوا على هذا النص حملتهم، دون اعتبار لرأي أصحاب المصالح في هذه المنطقة السكنية من غير السكان؟ أليس تساؤلاً مشروعاً؟

 

لم ينتفض سكان الزمالك من أجل إلغاء محطة المترو، بل اقترحوا ثلاثة أماكن بديلة، حصل والله. لكن كثيراً منهم اعتبر إعلان هيئة مترو الأنفاق عدم افتتاح محطة المترو في الجزيرة انتصاراً وحلاً وسطاً/مؤقتاً مقبولاً، ألم يحدث؟

 

دعونا نتصارح طبقياً ونكشف عن تحيزاتنا “من تحت إلى فوق” و”من أعلى إلى أسفل”، ولنطلق عنان التعبير عن الذكريات وعن الخوف من المصير الذي آلت إليه حال “وسط البلد” بسبب ربطها بشمال القاهرة الريفي (جنوب القليوبية) بالخطيْن الأوليْن لمترو الأنفاق. ذلك أفضل بكثير من النكران المتشنج للدوافع الطبقية.

 

(8)

 

انتهينا من المصائب الكبرى كلها ولم يبق لنا سوى محطة مترو الزمالك؟!

 

محطة مترو الزمالك جزء من المشهد الاجتماعي السياسي نستطيع أن نرى من خلاله القضايا الكبرى للثورة المصرية، تلك التي لم تقم من أجل القصاص لشهدائها، إي والله!

 

أضاف الدم استحقاقات مهمة لمسيرة الثورة المتعثرة، على رأسها العدالة الانتقالية، لكن المطالب الأصيلة المرتبطة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ظُلمت كثيراً باسم المناداة بحقوق الشهداء. ودوماً كان لحرمة الدم من الجلال والهيبة ما يحمل الكثيرين على إعطائها الأولوية القصوى من الاهتمام.

 

الخازوق الأعظم الذي ابتليت به الثورة المصرية هو معارك الاستقطاب الوهمية، لاسيما ثنائية “الإسلامي – العلماني” التي دلفت منها الثورة المضادة، وامتطت، وتدلّت أقدامها. فماذا لو كان المقال تكراراً لما نعرفه جميعاً من تحالف العسكر والإسلاميين الذي انقلب عليهم في النهاية؟ هل سيمثل أية إضافة؟

 

لقطة الصراع حول موقع إنشاء محطة مترو الزمالك ضمن المشهد السيريالي الواسع في مصر، يكشف كثيراً من ديناصورية الدولة وأجهزتها البيروقراطية النائمة في الحرام مع رأس المال. كما يكشف عن نضال مواطنين استثمروا المساحات التي أتاحتها الثورة ومارسوا حقوقهم وتعرضوا لدعاية سوداء، لا ينفي زيفها حقيقة وجود البعد الطبقي في حراكهم.

 

التساؤل الإيجابي المطروح الآن: كيف يمكن لسكان الأحياء الأقل نفوذاً وتعليماً أن يمارسوا ضغوطاً ناجحة بمبادرة واستقلال؟ كيف يمكن لأصحاب المصالح في الزمالك من غير قاطنيها أن يشاركوا في اتخاذ القرار وأن يكون لهم صوت مسموع؟

 

الفوز الكبير هو محصلة مجموعة من الانتصارات الصغرى.


بين تحويل النزاع وتحويل الثورة في مصر

8 سبتمبر, 2013
الصورة الكبيرة لتحويل النزاعات - جون بول ليديراخ

الصورة الكبيرة لتحويل النزاعات – جون بول ليديراخ

النص الأصلي والكامل للمقال المنشور في جريدة السفير العربي تحت عنوان “الثورة المصرية: رصد لصيرورة” بتاريخ 4 سبتمبر 2013 على الرابط

http://arabi.assafir.com/article.asp?aid=1178&refsite=arabi&reftype=home&refzone=slider

إسماعيل الإسكندراني

لمعالجة النزاعات ثلاثة مناهج؛ وهي: إدارة النزاع، وحل النزاع، وتحويل النزاع. فحين يصير نشوب النزاع حتمياً، أو حين يكون قائماً بالفعل دون إمكانية لعلاجه أو التقليل منه، تبرز أهمية “إدارة النزاع” عن طريق احتوائه بحيث لا يتفاقم نوعياً أو من حيث الامتداد الجغرافي، مع التسليم بأنه قائم أو حتمي الوقوع. أما “حل النزاعات” فيهدف إلى صرف الأطراف المتنازعة عن الحلول الصفْرية إلى حالة من المكاسب المشتركة/المتوازية، وهنا تكتسب الوساطة والمفاوضات أهمية قصوى من أجل الوصول إلى تفاهمات وحلول وسط مقبولة من الطرفين/الأطراف. إلا أن مقولة “السلام لا يعني عدم وجود حرب” تخبرنا أن “حل النزاع” ليس الحل. فنشوب النزاع ليس مرتبطاً بموقع كل طرف فيه بقدر ما هو أكثر التصاقاً بعلاقة الأطراف ببعضها، وصراع المصالح، والخطاب المتبادل بينها. وقد تضطرُ المعالجات الأعمق لما وراء لحظات تجلي النزاع ظاهرياً الأطرافَ الساعية إلى “تحويل النزاع“، أي إحداث تغيير هيكلي في بنية المجتمع/البيئة المحيطة بالنزاع في سبيل القضاء على مسببات النزاع وتجريف تربته. لذا فإن “تحويل النزاع” لا يهدف إلى الوصول لحالة من السلام الاستاتيكي البارد أو تقليل التعامل بين أطراف النزاع، بل على العكس يهدف لتحويل مسار العلاقة ديناميكياً بشكل نشط بحيث يكون المنتوج سلمياً.

وبالاقتراب من حالة الثورة المصرية، فإن ثورة الخامس والعشرين ومن يناير تعد، من ناحية أو أخرى، صراعاً بين جموع الثوار وقيمهم وتصوراتهم للدولة والمجتمع وبين الدولة والمجتمع القديميْن البالييْن. مجتمع قديم، وفق تعبير الصديق الباحث علي الرجال، له مكوناته السياسية والاقتصادية والدينية، ومجتمع جنين تتمخض عنه الموجات الثورية المتعاقبة بمنظومة قيمية مختلفة وتصورات مغايرة  عن السلطة والثورة وتوزيعاتهما. تفجر النزاع بقرار الجماهير الثائرة عدم التفريط في حقوقهم في العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية، وقد فات الأوان على مبارك وعصبته أن يديروا نزاع الثورة أو يحتووا مطالبها بعد أن تباطأ في الاستجابة وزاد منه الصلف والاستعلاء. وبعدها فشل المجلس العسكري، القرص الصلب في دولة العسكر منذ انقلاب/ثورة يوليو/تموز 1952، في التفاوض مع الحراك الثوري، فتورط في مزيد من الدماء، وعجز عن تسيير الأمور المعيشية والحياتية، فلم يكن بين المجتمعين من حل للنزاع الثوري. انطلقت الموجتان الثوريتان التاليتان لموجة الثمانية عشر يوماً الأولى (25 يناير/كانون الثاني – 11 فبراير/شباط 2011) في أحداث شارع محمد محمود واعتصام مجلس الوزراء (نوفمبر/تشرين الثاني – ديسمبر/كانون الأول 2011)، ثم احتجاجاً على تطلع الرئيس المعزول محمد مرسي لتأسيس سلطوية متدثرة بخطاب ديني في إعلانه الدستوري في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 وما تلاه من أحداث في محيط قصر الاتحادية حتى الذكرى الثانية للثورة في يناير/كانون الثاني 2013. ولم تمر أية موجة من هذه الثلاث دون دماء تؤكد استمرار النزاع بين المجتمع القديم والمجتمع الجنين، بل تزيد في عمقه وتقوّي النزعة للتحرر من العلاقات القديمة وممارسات السلطة البالية، فأمسى كل من إدارة الثورة/النزاع أو حل النزاع القائم بين المجتمع القديم والمجتمع الجنين الثائر أطروحتين متهافتتين، وصار واضحاً لما تبقى من أبنية سلطة متماسكة من مؤسسات الدولة القديمة أن مواجهة الثورة أو التفاوض معها قد ولّى أوانه ولم يعد مجال سوى لتغيير جذري/ثوري مضاد في مضمون العلاقات والبنى والخطاب والبيئة، أي “تحويل الثورة / النزاع”.

فرضت ممارسات الإخوان حقيقة مفادها أن سلطتهم لم تكن سوى الوجه الآخر لسلطة مبارك والمجلس العسكري. فالتعطش للهيمنة، والممارسات السلطوية القمعية، والرغبة في مصادرة المجال العام، والنزعة لضبط السلوك الفردي للمواطنين، والإشراف على ما يعتنقونه من معتقدات وما يتبنونه من أفكار، والنص على الوصاية العسكرية على السلطة المدنية المنتخبة دستورياً وقانونياً، وغيرها، كانت من السمات المشتركة بين وجهي عملة واحدة اسمها المجتمع القديم. وحين تأزم المشهد السياسي والاجتماعي بسبب الأداء المتردد والمداهن من قبل سلطة الإخوان، وعلى رأسها المعزول محمد مرسي، لمراكز القوى في هياكل سلطة المجتمع القديم وبــِناه البيروقراطية والعسكرية والأمنية والقضائية، فإن الأطراف الثورية قد اضطرت لمناقضة نفسها. فبعد أن كان مطلب الثوار عزل النائب العام، بل محاسبته أيضاً، وجدوا أنفسهم في موضع المعارضة الآلية التي عزله بها محمد مرسي. وتحول هتاف الثوار المطالب بتطهير القضاء إلى تمجيدٍ لنزاهة القضاء المصري وشموخه.

في هذه الأثناء، اجتهد من حاولوا التحرر من الاستقطاب الأيديولوجي والهوياتي في إطلاق بعض المبادرات الفكرية والاجتماعية والسياسية، بعضها معلن عنه والبعض غير معلن، بعضها عاجل وبعضها طويل الأجل، تهدف كلها إلى ما يمكن أن نسميه تحويلاً للنزاع الثوري مع المجتمع القديم بما يضمن انتصار المضمون الثوري ومراد المجتمع الجنين.

 

حلم ينتهي بكابوس

 كان الحلم يقضي بأن تتم استعادة الحشد الجماهيري السائل، المستعصي على استيعاب المؤسسات البالية والتنظيمات الهرمية، فيضغط على السلطة ويفرض إرادة الجماهير، جنباً إلى جنب مع بناء كيانات مدنية قوية – أحزاباً ومؤسسات – تحمل قيم الثورة ومطالبها العليا، والانصراف إلى بناء كوادر شابة تنافس في الانتخابات البرلمانية والمحلية المقبلة، مع دعم انخراط الكفاءات الثورية في الدولاب البيروقراطي للدولة العتيقة، على أن يكون هذا بالتوازي مع المعارك التشريعية الضامنة لحماية البيئة القانونية المحيطة بالنضالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وبالتوازي، صبّ بعض الفاعلين الثوريين اهتمامهم على التشبيك الأفقي المتجاوز للاختلافات المهنية والعمرية والجغرافية، طامحين في تغيير العلاقات والخطاب المتبادل، آملين في تغيير ما يمكن تغييره من بنى وهياكل في السلطة والمؤسسات الاقتصادية. وكان الرجاء أن تلتقي المكونات الاجتماعية المختلفة والمجتمعات المحلية المتنوعة في حوار متعدد الأشكال والفاعليات يهدف إلى تقويم طريقة نظر كل طرف إلى مصالحه وفرصه وتهديداته، لإعادة صياغة الأولويات الخاصة والعامة، ومحاولة ترتيب الأجندة.

انطلقت الدعوات إلى موجة ثورية رابعة للتمرد على سلطة الإخوان ممثلة برئيس الجمهورية، والمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، كرفض قاطع لنية الإسلاميين الاستمرار في الحكم وتطبيق مشروعهم المزعوم. وكانت حركة “تمرد” في بدايتها باستمارتها التي حازت ملايين التوقيعات أداة من أدوات تحويل حفلات العنف الأسبوعي وحرق مقرات الإخوان عصر كل جمعة إلى وسيلة احتجاج سلمي وحشد متصاعد تدريجياً ضد سلطة الإخوان وسلطويتهم. لكن آلياتٍ جبارة كانت تسعى لما هو أعمق من تحويل العنف الظاهر إلى سلم سياسي. فقد سحب البساط من تحت أقدام ثورة يناير التي اندلعت في يوم عيد الشرطة احتجاجاً على القمع والتنكيل والمهانة، ثم اندلعت الموجة الثانية منها مطالبة بإسقاط حكم العسكر، وإذا بهتاف “جيش وشرطة وشعب إيد واحدة” يعلو في سماء مصر في 30 يونيو/حزيران وما تلاه، بعد أن كان الهتاف الثوري “الداخلية بلطجية” و”يسقط حكم العسكر”. وإذا بضباط الشرطة يُحمَلون فوق الأكتاف وتعزف فرقة الشرطة الموسيقية ألحانها على منصة ميدان التحرير في الذكرى الحادية والستين لانقلاب يوليو/تموز 1952، ولا عزاء للقصاص والتطهير ودماء الشهداء. لا أميل للركون إلى التفسيرات التآمرية الاختزالية، لكن استبعادها بالكلية ما هو إلا اختزال مضاد. فإذا كان هتاف “الجيش والشعب إيد واحدة” قد انطلق من الشؤون المعنوية للقوات المسلحة وهتف به أفراد التحريات العسكرية فوق الدبابات مع بداية حظر التجوال في الثامن والعشرين من يناير /كانون الثاني 2011، فإن صنع هتافات تذيب الفوارق بين المجتمع الجنين ودولة المجتمع القديم لا يمكن أن نستبعد علاقته بالأجهزة الاستخباراتية.

وبتجاوز مشهد الحشود والتباساته، نجد أن خطاب العدالة الاجتماعية والحرية يكاد يختفي، بل يُهاجم من رفعوه ابتداءً، وسط صرخات الحرب على الإرهاب. وبعد أن تجاهلت ثورة يناير كافة الأطراف الخارجية فلم تكترث بها ولم تهتف ضدها، نرى الآن إقحاماً لأطراف خارجية في المشهد الداخلي بادعاءات واتهامات بالتآمر والضلوع بأدوار أكبر بكثير مما يمكن لهذه الأطراف أن تقوم به. أما ثورة الجماهير الغفيرة التي لم يكن لها قائد ولا زعيم بدأت تتوارى أمام صور وزير الدفاع الذي يجري “تزعيمه”. والخطاب الرسمي بدأ يتجاهل ثورة 25 يناير مثنياً على ما يسميه ثورة 30 يونيو، بالتوازي مع تخوين ثوار يناير وتكفيرهم وطنياً بشكل غير رسمي وتصوير “أحداث يناير” كمؤامرة إخوانية للقفز على الحكم.

 

تحويل الثورة

كان عدو الثورة الأول هو القمع والسلطوية فإذا به يتحول إلى الإخوان وتيار الإسلام السياسي ودوائر المتعاطفين معهم أو المشابهين لهم في الهيئة الخارجية والملبس. وكان محرك الثورة هو الكرامة والإصرار على القصاص، فصار الخوف من “الإرهاب المحتمل”، وفق تعبير وزير الدفاع في خطاب التفويض الشهير. كانت الشرطة التي لم يدركها التطهير ولا الإصلاح غريمَ الثورة الأول، فإذا بالرئيس الإخواني المعزول يجعلها “في قلب الثورة”، وفق تعبيره، و”يحتضنها الشعب” في ثورة 30 يونيو، وفق تعبيره وزير الداخلية. ضاعت كثير من مكتسبات ثورة يناير وحقوق ثوارها بسبب الحرص على المسار القانوني بكل عقمه وإشكالياته الهيكلية والإجرائية، وزهد الثوار في المحاكمات الثورية والاستثنائية حرصاً على بعض الموازنات الخارجية، ثم إذا بالزعيم العسكري يطلب من الجماهير أمراً ليس له أي توصيف قانوني، أسماه “تفويضاً”، لمواجهة شيء بلا تعريف، أسماه “الإرهاب المحتمل”.

يقول الإخوان ومناصروهم إن ما حدث هو انقلاب عسكري على حكم الرئيس المدني المنتخب. لكني أراه احتواءً للموجة الثورية الرابعة في 30 يونيو/حزيران 2013 والقفز عليه بانقلاب عسكري في 3 يوليو/تموز. فالأكيد أن الجماهير التي استجابت لدعوة حركة “تمرد” ووقعت على استمارتها/وثيقتها بالملايين لم يكن في نص ما احتشدت من أجله العزل الفوري لمحمد مرسي، ولا احتجازه بشكل غير قانوني في مكان سري، ولا تعطيل الدستور المستفتى عليه شعبياً، ولا حل مجلس الشورى، ولا إغلاق القنوات والصحف المحسوبة على التيار الإسلامي. المطلب الذي انتفضت الجماهير من أجله في 30 يونيو/حزيران قد تم إلقاؤه في ذيل خريطة الطريق التي فرضها القائد العام للقوات المسلحة دون وجود أفق لتغيير الخريطة المدعومة بشرعية الطائرات المقاتلة، تلك التي ترسم القلوب فوق رؤوس مؤيدي العسكر وتنثر المنشورات التحذيرية فوق رؤوس مؤيدي عودة المعزول، قبل أن تشارك شقيقاتها المروحية في قتل المعتصمين والمتظاهرين.

التغيير كدائرة - جون بول ليديراخ

التغيير كدائرة – جون بول ليديراخ

المشهد السياسي غير مبشر، ومشكلته أعمق مما تبدو على السطح. فالأزمة سوسيولوجية خطيرة متعلقة بتحويل ثورة يناير إلى ثورة يونيو، مما ينتج خطاباً مختلفاً جذرياً عن الخطاب الثوري المعهود، ويعيد تشكيل العلاقات هيكلياً وزمنياً لما قبل ثورة يناير مضافاً إليها الدعم الشعبي، ويستدعي شبكات المصالح وتحالفاتها القديمة مع رغبة عارمة في الشماتة والتشفي وتأكيد التمكن من رقبة يناير للإجهاز عليها. وأخيراً، يعاد كتابة الدستور من قبل لجنة غير ممثلة للشعب لخلق بنية تشريعية وقانونية جديدة/قديمة تحكم وتؤكد تحويل مسار ثورة يناير جذرياً إلى ما يمكن أن يكون امتداداً لما قبل يناير/كانون الثاني 2011. لن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، وقد ينتقل مبارك بضعة عشر كيلومتراً من مستشفى سجن طرة إلى مستشفى القوات المسلحة على كورنيش المعادي، لكن عمر سليمان لن يعود من الدار الآخرة، ومجلس طنطاوي العسكري لن يعود للحكم، وعلاقة الشرطة بالشعب لن تعود كما كانت، لكنها قد تكون أسوأ. الأسوأ من القمع أحادي الجانب هو الصفقة الضمنية، أو لربما الصريحة، على علاقة تواطؤ بين الشرطة وبعض الفئات الشعبية من البلطجية أو الأكثر قدرة جسدية على الاشتباك وتكوين شبكات سلطة جديدة لا يخشى فيها المدنيون أقساماً سبق أن أحرقوها، أو ضباطاً لم يتغير سلوكهم المنحرف أو يعاقبوا على جرائمهم وقد سبق أن كسروا شوكتهم وأذلوا كبرياءهم.

التحدي الآن ليس في منع الماضي من القفز إلى المستقبل، لأنه لن يحدث، بل في منع تحويل ثورة يناير وحلمها النقي في العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية إلى ماضٍ راحل. تحويل الثورة بثورة مضادة ليس محصناً ضد التحويل العكسي، وكي تعود مياه ثورة يناير إلى مجاريها فإن إرادة جمعية قاهرة يجب أن تحتشد، وقد يكون مفتاحها بيد غباء تحالف 3 يوليو الحاكم وسلطويته وفشله الاقتصادي.


(3/3) Facebook and Political Mobilization in Egypt

16 ديسمبر, 2010

.

An Academic Paper by: Aly El-Raggal, February 2010

 

This paper was submitted to Professor Alvaro Sierra as an assignment of the Program of MA in Peace, Development, Security and International  Conflict Transformation Studies at the University of Innsbruck, Austria.

 

Part 1Click here

Part 2: Click here

 

Security and the New Media


The new media, particularly social networks as Facebook, is imposing a lot of security challenges. I argue that in Egypt Facebook as a social/information network and a sort of a new media succeeded to break down the chain of power being imposed and practiced from the authority for a long time now. This chain is formed through three stages: surveillance, control and punishment. Now the authorities are confronted with the new fact that they can not put more than 1,232,480 persons under surveillance. The broken joint –surveillance- in this chain had broken down the whole chain; as the things went or could go out of their control. It is true that the authority had punished Esraa Abed El-Fateh and others after the 6th of April 2008, but they could not punish the 75,000 members of the Facebook group. They could not also punish the masses which did not go to their jobs and made a public disobedience at this day. “That Esraa herself has been deterred by the security-oriented mentality does not, argues Nabil Abdel-Fattah, suggest that that strategy will be successful in other cases. There are “hundreds of other young Egyptians who will replace Esraa and use cyber space to express their socio- political demands; no censorship or deterrence strategies can stop them”.”

 

Moreover, the political and social activists could easily –and some of them already did- develop new techniques to counter the government actions which were taken against them. Simply they can use fake names and change their IP addresses. Playing with these new tactics the new technologies offer is not that difficult. In August 2008, the Egyptian authorities imposed new monitoring measures by demanding that Internet cafe clients must provide their names, email and phone numbers, before they can use the Internet”. It is now 2010 and you can find a lot of Internet cafes which are not going to ask for your ID, no one even is going to ask for your name. Also the easily build relationships between the clients and those who run the Cafes in Egypt can be a real obstacle in front of the authorities even if they tried to impose these measurements by the harsh force.


Micheal Dillon, one of the famous scholars in the field of the security studies, argues that the contemporary global security concerns can be distinguished from those of previous eras by developing three analytical terms: circulation, complexity and contingency. Dillon`s analytical paradigm, in my point of view, is not only helpful to understand the new security challenges and concerns on a global level, but on national and local levels too. The complexities being imposed by Facebook and the circulation of information and data are unpredictable. Moreover, it succeeded to integrate different spheres in the same pot. These interactions between the techno, politico and social spheres are putting the security mentalities in Egypt in a real confusion and a total state of flux. This, no doubt, creates a complex systems which in Dillon`s words “are not only adaptive entities behaving more like living systems, they are a combination also of social and technical elements”. As I mentioned before, Facebook is really successful in bringing ordinary people to the game. Moreover, politics have been socialized. “Even the phrase ‘6 April youth’ is enough to ruffle the feathers of the government. The security apparatus clearly believes that this kind of opposition has the ability to incite people to demonstrate”. This is in addition to their manifesto which clearly more societal rather than political. Amr Elshobaki argues that “it is unwise, not to say impossible, to deal with Egypt’s virtual community with the same security-oriented mindset the state uses in confronting on-the-ground challenges”. Following Dillon`s line of argumentation could also allow us to see the must of the change in governmentally of the Egyptian authority regarding its old security apparatus. Dillon is saying that “the interface between the human and the technical elements is integral to the dynamic of the whole system”. He goes further saying that the interface, where the human is also the social, which is most difficult to comprehend and command. This in turn requires a cognitive shift in the way in which the natural and the social world are studied scientifically – together not separately”. The main point which could also be very important to my argument is Dillon`s conclusion that “any transformation in the way in which the world is understood technically and socially will entail a cognitive shift in the way in which security becomes problematized and in the conduct of security policy”. Dillon is arguing that “we are undergoing such a historical shift now”, which if I would take it on a national level I would argue that the new techniques and tactics which had been adopted by the political activists in Egypt is strongly shacking and threatening the authorities in Egypt.


El-Gamal believes the 6 April arrests expose how the ruling system now sees security as its only available response to Egypt’s problems. The response to the strike, says El-Gamal, is proof that we are in an urgent need of a new political mind set. Historian Qassem Abdu shares the same with El-Gamal. The detentions are an example of the security-oriented mind set of the state in dealing with any crisis situation caused by socio- economic or political conditions, he says.


El-Sennawi, a well known Nasserist writer says that there was a dire need to look into the usage of the new technologies. Weapons and armored vehicles come face to face with the new realms of technology.

 

In all this flux, there were some rumors about the regime intention to shut off the Facebook. “From a purely practical point of view, Elshobaki points out, shutting Facebook will have little impact since the pages that are closed can easily be re-loaded on other sites”. Nabil Abdel-Fattah believes any attempt to block Facebook will only indicate the state’s weakness and inability to confront the digital era in which we all now live. “It is as if the state can come up with nothing but old policies in facing new, revolutionary techniques. This is very unwise and will never work.”

 

At the beginning I argued that Facebook is an information network as well as social one. “Information networks make it impossible for politicians to maintain effective control, try as they might. The networks are simply too fluid, too leaky, too undisciplined and too rampant to allow the politicians to maintain an effective hold” (Frank Webster, 2001; p.7).

 

Conclusion

 

This paper argued that Facebook is not only a social network, but it an information network and a sort of New Media. It also argued that briefly the notion of Foucault Power/Knowledge and it concluded that the New Media will produce new sorts of Knowledge. This will have a lot of impacts on the exercises of power and its centralization and marginalization. The second part of this paper, discussed the role of Facebook in Egypt in the different spheres particularly the socio, politico and cultural one. It also discussed the role of Media –both of them- and the Facebook effective role in the 6th April strike, and it proved that they were very influential in moving and shaping opinions and perspectives towards the strike particularly and towards the whole system in Egypt generally. The last section of this paper argued and discussed the challenges imposed by this new technology and its impacts on the governmentally in Egypt. Which could be concluded to the following: seeking security through the old securitized orientated mindset of the regime to oppose any kind of political activism through Facebook will never be fulfilled. Moreover, it could end with a huge amount of violence which the authorities and the regime themselves are not going to stand.

 

References:

 

Al Ahram, 2008: “Seasons of Protest”, http://weekly.ahram.org.eg/2009/928/eg6.htm

Chris Van Buren, 2009: “Egypt and the Facebook Revolution”, available at: http://blogs.law.harvard.edu/idblog/2009/01/27/egypt-and-the-facebook-revolution/, last reterived 13 Feb, 2009.

Gamal Nkrumah and Mohamed El-Sayed, 2008: “Politicising the Internet”, http://weekly.ahram.org.eg/2008/894/pr1.htm, last reterived 13 Feb, 2009.

International Telecommunications Union, “ITU Internet Indicators 2008, retrieved on 02/09/10 from http://www.itu.int/ITUD/icteye/Reporting/ShowReportFrame.aspx?ReportNam….

Magda El-Ghitany, 2008: “Facing Facebook”, available at: http://weekly.ahram.org.eg/2008/895/eg5.htm, last reterived 13 Feb, 2009.

Ibid, 2008: “Politics or Security”, http://weekly.ahram.org.eg/2008/893/eg5.htm,

Mohamed El-Sayed, 2009: “Face-off with Facebook”, http://weekly.ahram.org.eg/2008/908/eg7.htm, last reterived 13 Feb, 2009.

Salonaz Sami (2008): Virtual politics, http://weekly.ahram.org.eg/2008/909/fe1.htm

-A Tool to Mobilize?, http://weekly.ahram.org.eg/2008/909/fe2.htm,  last reterived 13 Feb, 2009.

Wetherell, Taylor and Yates, 2003: Discourse Theory and Practice, Sage Publications LTD, London.

Wim Donk (2004): Cyber Protest: New Media, Citizens and Social Movements, available at: http://books.google.com/books?id=vm_Ox6lyyt0C&printsec=frontcover&dq=new+media+and+social+movements&cd=1#v=onepage&q=&f=false

Frank Webster (2001): Culture and Politics in the Information Age http://books.google.at/books?hl=en&lr=&id=1oGFwjQ30t0C&oi=fnd&pg=PA32&dq=new+media+and+social+movements&ots=D6hLIt5cM_&sig=SUSl_gobMpEwB0RYdWwtT-uvVys#v=onepage&q=new%20media%20and%20social%20movements&f=false

Open Net Initiative (2009) : Internet Flitering Media in Middle East and North Africa, http://opennet.net/research/regions/mena, last reterived 13 Feb, 2009.

Berkman Center for Internet and Society (2009) Mapping the Arabic Blogosphere: Politics, Culture and Dissent http://cyber.law.harvard.edu/publications/2009/Mapping_the_Arabic_Blogosphere, Issue of June 2009, last reterived 13 Feb, 2009.

David M. Faris (2009): The end of the beginning: The failure of April 6th and the future of electronic activism in Egypt  http://www.arabmediasociety.com/ , last reterived 13 Feb, 2009.

SAMANTHA SHAPIRO (2009):Revolution, Facebook-Style http://www.nytimes.com/2009/01/25/magazine/25bloggers-t.html

i Ben Gharbia(2009): Egypt: Facebooking the Struggle http://advocacy.globalvoicesonline.org/2008/04/30/egypt-facebooking-the-struggle/

 


(2/3) Facebook and Political Mobilization in Egypt

13 ديسمبر, 2010

.

An Academic Paper by: Aly El-Raggal, February 2010

 

This paper was submitted to Professor Alvaro Sierra as an assignment of the Program of MA in Peace, Development, Security and International  Conflict Transformation Studies at the University of Innsbruck, Austria.


Part 1: Click here

Media, the Old and the New, and its Impact in Different Spheres

 

The call was through Facebook and was taken from there to every corner in Egypt. There was high and strong escalation on Facebook before the day of the Strike. Reporting every single moment happened on that day through a cooperation between the 6th of April Facebook group and Blog. Upon her arrest, a self-titled Free Israa group spontaneously emerged on Facebook, where she was considered a heroine, by the dozens of thousands who joined in. “This proved once again how powerful these online youth really are,” said Ghoneim.


People’s Assembly Speaker Fathi Sorour was quoted in Al-Ahram, the most important official Newspaper in Egypt and by far a governmental/ official one, saying: “The 6 April strike was aimed at undermining stability and security to achieve doubtful aims”. Official papers were unanimous in their criticism of the supposed misuse of the Internet. Indeed, Mohamed Ali Ibrahim, editor-in-chief of the daily official Al-Gomhuriya called upon readers to “boycott Youtube and Facebook websites”. The weekly magazine Rose El-Youssef launched a harsh critique against the Facebook, “Facebook is a secret room aimed at ruining Egypt” ran the headline of the file. “Members of the website are searching for gossip,” the paper reported. Political commentator El-Sayed Yassin was the first to attack the bloggers, accusing them of altering the truth and tarnishing Egypt’s reputation abroad. “Foreign embassies follow up on these blogs and groups and report back to their countries,” said Yassin. Most, if not all, of the bloggers’ posts distort and misrepresent reality. “They send the wrong information about Egypt to the world,” he claimed. Councilor Murad Hassan went further, insisting they deliberately manipulated facts, circulated fabricated pictures, and magnified individual incidents to mislead public opinion. “In addition, the kind of language they use to express their opinions is unsuitable and strange to our society,” Hassan told Al-Ahram Weekly.


What really tarnish Egypt’s reputation, pointed out writer Sakina Fouad, are the “lack of transparency, corruption, as well as a lack of information which these groups and blogs are trying to expose”. The 6 April strike, said Harb, showed that virtual activism is beginning to have a grassroots impact. And the fact that the regime felt it necessary to arrest 27-year-old Israa Abdel-Fattah for starting a Facebook group, he argued, “is a clear proof of the threat that the regime feels… the Internet is the new battleground between those who want to speak out and those who would stop them”. Whatever the ideological leanings of bloggers, said Bahieddin Hassan, head of the Cairo Centre for Human Rights Studies, they have one thing in common: “They are all rejected by the authorities, regardless of their political, social or religious views, on the grounds that what they do is a crime.“ And, with his magical touch as always, veteran writer Mohamed Hassanein Heikal was quoted in Al-Masry Al-Yom as saying: “The Egyptian press is experiencing a crisis, and this is attributed to the general atmosphere in Egypt which is reflected on the media scene in general.”

 

Is it Really Effective?


A Controversial Debate


In the aftermath of the 6th of April the question of how effective is Facebook as political and social tool for the change in Egypt becomes very debatable in the different intellectuals circles. Many see Facebook as the new hammer of hope that the struggle will use it to dig the tunnel of change in Egypt.

 

After an interview, with Dr. Mona El-Tahawy, a specialist on the New Media, a very positive vision for the future of political activism through the New Media, particularly Facebook, could be concluded. El-Tahawy believes that some political activists, especially young ones in their 20s, have managed to use Facebook to organize in ways unavailable to them in the “real” world. Some activities have been successful such as setting up the April 6 Movement, launching groups to combat sexual harassment and to raise awareness among young people, and most recently I just came across a Facebook group called “The Egyptian Candle Against Sectarianism Initiative”. It will organize a demonstration outside the Journalists Syndicate.

 

New Media is one of the few reasons that I remain optimistic about Egypt, speaks El-Tahawy, “a country where the majority of the population is under the age of 30 and where many of those young people who have Internet access are on Facebook. When I have taught classes here in the U.S. on New Media in the Arab World, my students have always been impressed at how Egyptians especially use Facebook in such a political way. Some, of course, use Facebook in the way other young people across the world do – to just connect with friends and post photos from parties – but Egyptians have embraced their ability to voice their opinion on Facebook more than the average young Americans have”.

 

In conclusion, El-Tahawy believes that young people in Egypt especially are learning to experiment with the voices and views through Facebook. Of course it is not available to everyone but views encountered online can be shared with friends’ offline and the circle of influence can widen.

 

However, the above mentioned leads us to ask with Salonaz Sami from Alhram Weekly, does what happen on Facebook remains there? Actually this could be very debatable. From my experience as an Egyptian who lives there and belong to the upper middle class, most of them have Internet access, I would say no. It does not stay there. Particularly after Facebook has succeeded to socialize politics or politicize the Internet. The call for the 6th of April, definitely, did not stay there. The night before the strike I was in Alexandria. All the people I met were speaking about the public strike; from the taxi drivers to the beggars in the streets, from my friends who do not care for politics and do not even want to hear something about to the political and social activists. In this night it did not matter which class or political party you belong to. Fear, cautious, tensions and irritations were seen, felt and even smelled in every corner. Describing the whole atmosphere before the strike and after the strike I would say that it was a night of tension, a morning of fear and cautious and the evening of taking breaths. This does not argue that everything in virtual reality moves to the reality. This mainly argues that it depends on the cause and its importance and engagement with the needs, aims or even fears and the people interests in the reality.

 

Mahinour El-Masari argues that under an undemocratic and tyrant regime in Egypt which suppresses any movement in general and any kind of political dissent and by the emergency law still in force, it is easy to put people in jail for lame evidences. This is the thing that makes activists prefer mobilizing others through social networks, as it is easy to escape from the supervision of the regime, especially that it is still primitive in the technology field. It also gives a wider range of people. The Facebook group calling for the 6 of April 2007 public strike reached over 70,000 members, while at the sometime Kefaya Movement, the largest opposition group by this time, didn’t exceed 4000 activists.

 

Chris Van Buren in his Famous article “Egypt and the Facebook Revolution” says “Egypt, long stalled corrupt secularism and Islamic fundamentalism, may find its political situation radically altered by the rise of  Facebook literate citizens, ready to blog, question and organize for their causes”. Nora Younis, in an interview done by Sami Ben Gharbia and posted on the Global Voices Advocacy said: “Internet was the main tool in mobilizing for the 6 April strike. It’s true a tiny fringe of Egyptians have access to Facebook but the 70,000+ members of the group acted as strike advocates in the society and took the debate from PC screens to taxis, workplaces, dinner tables and breadlines”. However, Nora also pointed out that we should not forget that what gave April 6 its weight was the labor movement uprising and their struggle for a dignified minimum wage. She also added that Internet alone, without the popular base, wouldn’t have led to the successful strike we witnessed April 6. Blogger Hossam El-Hamalawy criticizes the exaggeration of the influence and power of the virtual reality on reality saying:

 

“We, the Egyptian bloggers, have always prided ourselves on the fact that we have one foot on the ground and the other in the cyberspace… But this time, it seems some have thrown both their feet as well as brains in the cyberspace and are living some virtual reality, mistakenly believing (helped by the media sensationalist coverage of the “Facebook activism“) that they are the ones behind the events in Mahalla…”

 

Ismail Alexandrani, an E-journalist and Human Rights activist, told me once in an interview through the Internet that the influence of the Internet, particularly, social networks like Facebook, are very limited because of the wide spread of literacy reading and writing, as well as computer and Internet literacy.

 

“Some of my fellow researchers in the project Social Movements at the American University in Cairo – who are also strong activists – believe that Facebook social networking give an illusion of self that one is a real activist and a large compensatory. In fact, Facebook activists often receive Facebook “piles” in the events they created attended by hundreds, then by default does not come to it in fact only a few dozens”.

 

“However, I can not deny that the Facebook played an important role in the mobilization of many causes as the 6th of April for example. But we should not forget that there were different factors which were more important like the traditional media, without which the mobilization through Facebook only was not going to be that successful”, he added.

 

As anyone who has caught the internet virus can attest, virtual activism may serve as a substitute –and not as a spur- to activism in the real world (Tarrow 1998: 193). In my point of view, I argue that Facebook could lead for strong revolutionary shifts in the political and social spheres in Egypt. If the political activists started to adopt techniques like establishing Rhizomes to oppose the regime, these could work simultaneously and parallel on different causes in different places. This no doubt can easily exhaust the authority if it tried to oppose it. Moreover, the authority will not be able to follow the velocity and dynamics of these Rhizomes. It is asymmetric technique which the authority structures, particularly the security system –regardless its power and harsh violence dealing with any political actions- are not going to be able to ban it or stop its efficiency. Trees hierarchy structures, whatever strong they are, can not defeat the structures of the Rhizomes – this by the facts, nature and order of things.

 

However, away from direct political activism, I argue that there is white revolution, which many are not aware of, in the spheres of social and development activism whose playground is Facebook. Different un-politicized organizations, associations, NGOs and youth initiatives are running a strong and influential work through Facebook. And as most of their activities are safe, non ideologist and interesting, they gained great popularity and a lot members not only on the virtual reality but on the real ground. Moreover, the facilities offered by Facebook allowed them to launch strong campaigns and promote their ideas and events without spending one Egyptian pound. They do all their advertisements, public relations and publicity through Facebook. Their work has nothing to do with a direct confrontation with the current regime, but they work on cultural and social issues which could lead for drastic changes in the collective cognitive maps. This awareness sooner or later will find its way to change, not only the political structure but the whole social, economic and cultural structures in Egypt. Dr. Mona El-Tahawy in an online interview with me said: I like to say that young people in Egypt are rebuilding civil society through new media. They are expressing themselves in unprecedented ways and across the political spectrum. They are also challenging authority of various kinds – political, religious and social. You see blogs and Facebook groups and Tweets by everyone from the Muslim Brotherhood to secular groups to gays and lesbians. However, the flow of arguments leads us to try to explore the impacts of the New Media on the security mentality, structure and system of the police-state in Egypt.

 

To be followed…

Part 3